يبدو أن أحداث باريس قد ألقت بظلالها على العالم لندخل مرحلة جديدة من نتائج عدم الحل لمشكلة سوريا التي عانى منها الجيران بصورة كبيرة، وكانت محطة جديدة للعودة العكسية للمقاتلين الذي قدموا من أوروبا للقتال مع جبهة النصرة وكيان داعش الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خصوصاً بعد تبني الأخير العمليات الإرهابية في باريس.
كيان داعش الذي تأسس منذ فترة ليست بالطويلة جاء بموجة جينية جديدة للإرهاب تعتمد على نظريتين: الأولى إدارة التوحش وهي جوهر الاستراتيجية الشاملة لكيان داعش الإرهابي، والثاني السَوق العام (الاستراتيجية العسكرية) لكيان داعش الإرهابي، والتي تستند إلى فكرة خلال القتال العنقودي عبر اتباع نظرية الذئاب المنفردة التي تحاول من خلالها بناء نوع جديد ومتطور من الإرهاب المتوحش بأساليب قمعية قائمة على نمط المقاتل ذات القدرة التعبوية (الاقتحامية، الانغماسية الانتحارية).
وبالتالي هو يحاول أن يجد منصة خارج الهدف تعتمد على تقدير الجغرافيا للهدف مع إدارة الزمن ذات النسق المتعدد لعمليات مشتركة بنفس ساعة الصفر الهداف منها إثارة الذعر والقلق داخل المجتمع المستهدف عبر عمليات إرهابية متعددة تحاول لفت النظر أولاً والعمل على إذعان الخصم والاستخدام الإعلامي للهجمات الإرهابية والتقليل من الحرية الذاتية للدولة وجهازها الاستخباري بهدف شل قدرة الدولة او المجتمع او الانسان.
إن المشكلة الأساسية التي يمكن استنتاجها من حادثة باريس الإرهابية أن ظاهرة الإرهاب باتت ظاهرة تهدد العالم ككل، وان الجهاز الفرنسي – الأوروبي غير قادر على فهم شفرة الاعتداء، فهو يمتلك نظماً وقائية وليست استباقية لمكافحة الإرهاب، إضافة الى تمكن الكيانات الإرهابية من إدارة منصة عالية الدقة من الإدارة والقيادة والاتصالات واستقراء فعال للجغرافيا، وهذا ما لا يتطلب الاستجابة من قبل النظام الأمني لمكافحة الإرهاب لإجراء عملية المحاكاة الفعالة للخصم لمعرفة واستشعار ساعة الصفر، وهنا تكمن الحنكة والفاعلية التي مازال العالم لا يدرك خطورتها من حيث قدرة الجماعات الإرهابية ككيان داعش الإرهابي من إدارة الزمن والجهد والأداء لإحداث اضطراب أمني فاعل، وبالتالي العمل على وضع قواعد اشتباك مغايرة أو لم تكن في حسبان الأجهزة الرسمية للدولة.
إن قدرة أجهزة مكافحة الإرهاب في العالم على تفكيك شفرة التجنيد والاتصال والتمويل والقيادة وإدارة الأهداف الإرهابية باتت صعبة جداً، خصوصاً أنني اطلعت على قدرات جهاز اليوروبول على إدارة التنسيق الاستخباري المشترك للاتحاد الأوروبي، إضافة الى أن قدرة الأجهزة الاستخبارية في الولايات المتحدة الامريكية وروسيا باتت تعمل بجهود فردية وتحاول الاستفادة من اكبر ساحتين للصراع في سوريا والعراق.
إن محاولة وضع وتحليل الأداء الجيني للجماعات الإرهابية التي باتت تفتك بالشعوب في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا نتيجة عدم قدرة الأجهزة الحكومية على مواجهة عملياتها الاستباقية نتيجة التغير في طبيعة المورد البشري الإرهابي فعلى مدى 45 عاماً مازلنا نتصور الشخصية الإرهابية هي شخصية متخلفة وجاهلة وهذه أولى الأساطير التي لابد أن تزول من عقلية محللي الاستخبارات، ثم إن ميادين سوريا والعراق وليبيا وسيناء أعطت ديناميكية تدريبية كبيرة للقوى الإرهابية على التدريب الحقيقي لاستخدام كل أساليب القيادة والسيطرة في إدارة الأعمال الإرهابية.
إن تفكيك بؤر الصراع في الشرق الأوسط هو أول شذرات الحل والأمل، وتحجيم الحرب الدينية في الشرق الأوسط القائمة على أساس الصراع الطائفي والمذهبي والديني التي ألقت بضلالها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأنتجت تنظيمات إرهابية عابرة للحدود تجمع المهاجرين والأنصار.
حان الوقت للحد من الكراهية والتطرف في الشرق الأوسط من أجل إخماد نار الحرب والقتل والدمار للإنسان، إن الفرصة في الإجماع الدولي لا تأتي إلا لمرات قليلة في ظل تشابك المصالح الدولي، ونجد أن الدول اليوم لابد أن تعمل على استغلال الفرصة من أجل السلام والاستقرار والتآخي والتآزر من أجل استقرار الإنسانية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.