تواجه السياسة الخارجية الباكستانية تحديات متزايدة منذ وصول طالبان إلى العاصمة كابول، وبالطبع يتعين التصدي لهذه التحديات المتزايدة.
في بداية العام 2021، لم يتوقع الكثيرون أنه بعد أشهر فقط ستكون حركة طالبان الأفغانية تتولى زمام الأمور في كابول. ومع ذلك، كانت سرعة استيلاء طالبان على السلطة هي التي أثبتت خطأ كثير من التقييمات الاستخباراتية للولايات المتحدة وغيرها من اللاعبين في أفغانستان.
وعندما دخل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض في العام 2021، كان أمامه خيار إما إلغاء صفقة الدوحة التي وقعها سلفه مع طالبان أو التمسك بها، تلك الاتفاقية التي تنص على إطار زمني لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، في مقابل وعد طالبان بعدم السماح للجماعات المسلحة باستخدام الأراضي الأفغانية مرة أخرى والدخول في محادثات مع الجماعات الأخرى. وبموجب هذا الاتفاق الذي استكمله بايدين كان من المقرر أن تنسحب الولايات المتحدة بالكامل بحلول 1 مايو/أيار 2021.
ثم بعد توليه منصبه، أمر بايدن بمراجعة الوضع الأفغاني وبعد أشهر من التقييمات من قبل البنتاغون ووزارة الخارجية، كان عليه الالتزام بخطة الدوحة وإن كان ذلك بتغيير موعد الانسحاب. وبدلاً من الموعد النهائي المحدد في الأول من مايو/أيار في اتفاق الدوحة لانسحاب القوات، وافق بايدن على مغادرة آخر جندي أمريكي أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/أيلول.
قوبل هذا الإعلان برد فعل قوي من حركة طالبان التي وصفته بأنه انتهاك لاتفاق الدوحة وهددت باستئناف الهجمات ضد القوات الأجنبية التي تقودها الولايات المتحدة إذا بقيت قوات أمريكا في الدولة التي مزقتها الحرب إلى ما بعد التاريخ المحدد سلفاً في مطلع مايو/أيار.
ومع ذلك، كانت إدارة بايدن تتحدث مع قادة طالبان من وراء الكواليس للتأكيد على انسحاب القوات بشكل سلس ومن دون أي عوائق. ومع بدء انسحاب القوات الأمريكية بموجب خطة معدلة، بدأت طالبان من ناحية أخرى في تحقيق نجاحات بالاستيلاء على مناطق تلو الأخرى.
ومع تسارع وتيرة الانسحاب، كانت مسيرة طالبان في تقدم أيضاً، لتغير الاستخبارات الأمريكية تقييمها نظراً للوتيرة السريعة التي حققت بها طالبان تقدماً.
خلصت نظرة الاستخبارات الأمريكية إلى أن طالبان ستكتسح البلاد في غضون ستة أشهر إلى عام بعد انسحاب القوات. ولكن مع دخول الانسحاب مرحلته الأخيرة، كانت عودة طالبان إلى السلطة حتمية. واستولت الجماعة على العديد من المناطق والمحافظات حتى التي لم يكن لها نفوذ كبير في الماضي، وذلك حتى دون أي مقاومة.
وبعد أن شاهد بايدن مسيرة طالبان السريعة نحو العاصمة كابول، أمر بسحب القوات الأمريكية وإجلاء الدبلوماسيين والموظفين والمواطنين الأمريكيين بحلول 31 أغسطس/آب.
وفي غضون ذلك، كان زلماي خليل زاد، الدبلوماسي الأمريكي المسؤول عن أفغانستان، يحاول التوصل إلى اتفاق يمكن بموجبه إجراء انتقال سلمي للسلطة. ووسط كل هذا وصل مقاتلو طالبان إلى أبواب كابول.
وقد حاولت الولايات المتحدة إقناع الرئيس آنذاك أشرف غني بالموافقة على بعض الترتيبات مع طالبان، لكن الأوان كان قد فات في ذلك الوقت. وعندما حلقت آخر طائرة أمريكية من كابول اكتمل انتصار طالبان. وكانت هذه بلا شك أهم لحظة في السياسة الخارجية لعام 2021.
دفع الخروج الفوضوي للولايات المتحدة وسائل الإعلام الدولية والأمريكية للتركيز أكثر على فشل واشنطن بدلاً من إلقاء اللوم على باكستان. ومع ذلك، فإن خروج الولايات المتحدة من أفغانستان قد أثار تساؤلات جدية حول مستقبل العلاقات الباكستانية الأمريكية.
في وقت لا يزال فيه تجاهل بايدن لرئيس الوزراء عمران خان متصدراً، إذ لم يتحدث إليه بعد عبر الهاتف مقترحاً أولويات الولايات المتحدة أو عدم وجودها لباكستان.
بيد أن تعيين الولايات المتحدة سفيراً متفرغاً لدى باكستان يشير إلى أنه لن يكون هناك انهيار تام فى العلاقات. كذلك سلطت استضافة الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي بشأن أفغانستان من قبل باكستان الضوء على أهمية إسلام أباد.
ويبقى السؤال: هل تستطيع باكستان الحفاظ على هذا الزخم وإبقاء العالم على اتصال مع طالبان؟ وأعتقد أن الخوف الحقيقي هو أن يتخلى المجتمع الدولي مرة أخرى عن أفغانستان، وهو سيناريو كابوس تحاول باكستان جاهدة تجنبه.
وبما أن عام 2021 كان بمثابة نقطة تحول بالنسبة لأفغانستان، وهو الشيء الذي شكل السياسة الخارجية لباكستان، فإن العام 2022 سيجلب المزيد من التحديات للبلاد على الجبهة الخارجية.
مقالات الرأي المنشورة في "عربي بوست" لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.