ماذا كان يأكل البشر قبل ظهور الزراعة؟.. دراسة جديدة تكشف حياتهم قبل آلاف السنين

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/30 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/30 الساعة 11:35 بتوقيت غرينتش
قبل ظهور الزراعة -المصدر:SHUTTERSTOCK

قبل مئة ألف سنة، وتحديداً قبل ظهور الزراعة، كانت طرق الحصول على الطعام تعتمد بشكل أساسي على الصيد والقنص؛ حيث كان البشر الأوائل يعتمدون على ما يتوفر لديهم في الطبيعة لتلبية احتياجاتهم الغذائية.

ووفقاً لدراسة حديثة نشرها موقع TIMES OF INDIA يعود ظهور الزراعة إلى نحو 11500 عام في منطقة الشرق الأوسط وهو ما يعدّ حدثاً مفصلياً في تاريخ البشرية، حيث جسد ثورة في نظام الغذاء وأسلوب الحياة تجاوزت الطريقة التي كان يعيش بها الصيادون وجامعو الثمار منذ ظهور الإنسان العاقل (هومو سابينس) قبل أكثر من 300 ألف عام في أفريقيا.

ورغم هذه الثورة التي مثلت نقطة تحول في غذاء البشر، إلا أنّ ندرة البقايا البشرية المحفوظة من الفترة التي سبقتها جعلت من النظام الغذائي لمجتمعات ما قبل حقبة الزراعة أمراً غامضاً بعض الشيء، وهو ما حثّ الأبحاث الجديدة على إلقاء الضوء على هذا الموضوع للإجابة على تلك الأسئلة، فقد قام العلماء بإعادة هيكلة الممارسات الغذائية لإحدى هذه الثقافات من شمال أفريقيا، وكان من المدهش أنهم وثقوا نظاماً غذائياً يعتمد بشكل كبير على النباتات.

البقوليات والنشويات أعرق غذاء للبشر قبل ظهور الزراعة

ركّزت الدراسة على فحص عينات بصمات الكيمياء المتواجدة في عظام وأسنان البشر، والتي جُمعت من رفات سبعة أفراد إلى جانب أسنان منفصلة متنوعة يُعتقد أنها تعود إلى ما يقارب 15 ألف سنة، تم اكتشافها داخل كهف بالقرب من قرية تافورالت في شمال شرق المغرب، وقد كان هؤلاء الأفراد جزءاً من الحضارة المعروفة بالأيبيروموروسية.

سكن أصحاب الحضارة الأيبيروموروسية، الذين كانوا من الصيادين وجامعي الثمار، أجزاءً من المغرب وليبيا لفترة تمتد بين 11 إلى 25 ألف عام تقريباً،  وتشير الأدلة إلى أن الكهف كان مكاناً للمعيشة وموقعاً للدفن في ذات الوقت.

وبحسب الباحثين، فإن هؤلاء الأشخاص استخدموا الكهف لفترات طويلة من كل عام، مما يشير إلى نمط حياة أكثر استقراراً من مجرد التجوال في البرية بحثاً عن موارد للغذاء  وأوضحوا أن هؤلاء الأشخاص استفادوا من النباتات البرية التي تنضج في مواسم مختلفة من السنة، بينما كشفت تجويفات أسنانهم عن اعتمادهم على الأنواع النباتية النشوية.

البقوليات-المصدر:SHUTTERSTOCK
البقوليات-المصدر:SHUTTERSTOCK

وأشار الباحثون إلى أن الصيادين وجامعي الثمار ربما خزنوا النباتات الصالحة للأكل على مدار العام لتعويض النقص الموسمي في الفرائس، وللحصول على إمدادات غذائية منتظمة.

كما وجد الباحثون أن هؤلاء الأشخاص كانوا يتغذون على النباتات البرية فقط، ولم يطوروا الزراعة أبداً، على الرغم من أنها أصبحت معروفة في شمال أفريقيا في زمن متأخر نسبياً. 

بالإضافة إلى ذلك، فقد أظهرت التحاليل المختلفة لأشكال أو نظائر العناصر، مثل الكربون والنيتروجين والزنك والكبريت والسترونتيوم، الموجودة في هذه البقايا نوعاً وكمية النباتات واللحوم التي كان يتناولها هؤلاء الأشخاص، وقد عُثر في الموقع على بقايا عديدة من النباتات البريّة الصالحة للأكل، منها الجوز الحلو والصنوبر والفستق والشوفان والبقوليات وكانت الحيوانات الرئيسية التي كانوا يصطادونها، وفقاً للعظام التي عُثر عليها في الكهف، تشمل نوعاً يُعرف بالأغنام البربرية.

أصول الطهي عند الإنسان قبل ظهور الزراعة 

وربما كانت أصول الطهي التاريخي أكثر تعقيداً مما كنا نتوقع، وفقاً لدراسة حدثنا عنها موقع SMITHSONIANMAG:

فحين قام باحثون بتحليل بقايا الطعام المتحجرة في كهفين مختلفين -كهف "شانيدار" في جبال زاغروس بالعراق وكهف "فرانشتي" في اليونان- بهدف فهم كيفية استعداد إنسان نياندرتال والإنسان الحديث المبكر للطعام، اكتشفوا دلائل على أن عملية الطهي تشمل تنوعاً من المكونات والعمليات والقرارات المتعمدة 

وبالتالي "ثقافة غذائية متقدمة لدى إنسان نياندرتال"، وفقاً لكريس هانت، خبير في علم البيئة القديمة الثقافية في جامعة ليفربول، ومنسق التنقيب.  

النياندرتال-المصدر:SHUTTERSTOCK
النياندرتال-المصدر:SHUTTERSTOCK

ووفقاً لبيان صادر عن جامعة ليفربول، كان لدى البشر المعاصرين الأوائل وإنسان نياندرتال نظام غذائي معقد يتألف من مجموعة واسعة من النباتات، وكانوا يستخدمون مجموعة متنوعة من الحيل لتحضير الطعام بطرق تجعله أكثر قبولاً.

أمّا عن الطرق التي استخدموها في طهي طعامهم فتعد متنوعة ومبتكرة، حيث تشير الأدلة إلى أنهم اعتمدوا على الحرارة فور تمكنهم من إشعال النيران، وأحياناً حاولوا التخمير، ولا ننسى الطريقة الثالثة التي تتمثل في النقع في الماء. 

"لحم الغزلان" الغذاء المفضل للبشر الأوائل

وإذا أردنا أن نتجه إلى مطبخٍ أكثر حداثة يبلغ عمره 300 ألف عام ، سنجد على قائمة الطعام للبشر الأوائل الكثير من "لحم الغزلان" كأكثر ما يفضلونه، بالإضافة إلى لحوم الحيوانات البرية مثل الجاموس والأرانب والحمير الوحشية، وبيض النعام، وهي اكتشافات أقرّت بها دراسة أُجريت في جبل إرهود بالمغرب العربي ونُشرت عام 2017، والتي بينت بوضوح مصدر بروتين النياندرتال الغذائي، لكن هل يعني ذلك أن البشر توقفوا عن تناول النباتات؟

لحم الغزلان-المصدر:SHUTTERSTOCK
لحم الغزلان-المصدر:SHUTTERSTOCK

 لم يتخل الإنسان عن النباتات حتى بعد اكتشاف اللحوم

قد تندهش عند معرفة أنّ الإنسان القديم لم يتخلَّ يوماً عن تناول النباتات، وهي  حقيقة أكدها جهد استقصائي دام سنوات من قبل عالمة النباتات القديمة بجامعة كامبريدج، سينثيا لاربي، والتي نُشرت نتائج دراستها في عام 2019. 

بحثت لاربي في مواقع عدة في جنوب أفريقيا، يعود تاريخها إلى ما يقرب من 120 ألف عام، ومن بقايا الطعام المحترقة، جمعت عينات لتحليلها. وبعد الفحص المجهري، تبين أن تلك البقايا تحتوي على نسيج خلايا نباتية نشوية، مما يشير إلى دور النباتات كجزء أساسي من نظام غذائي البشر منذ العصور القديمة.

الطهي قديما-المصدر:SHUTTERSTOCK
الطهي قديما-المصدر:SHUTTERSTOCK

وإذا كانت الكربوهيدرات النباتية تشكل اليوم نسبةً كبيرة من النظام الغذائي للإنسان الحديث، فذلك يدلّ على أن أجدادنا كانوا يعتمدون بشكل كبير على النشويات في نظامهم الغذائي، وقد أكد علماء الوراثة هذا الاكتشاف بعد دراسة نسخ الجين التي تُنتج إنزيمات هضم النشويات لدى الإنسان المعاصر، مما يشير إلى تناول البشر القدماء النشويات بكثرة كجزء أساسي من نظامهم الغذائي. 

وأشارت الباحثة لاربي إلى أن البشر الأوائل في تلك المنطقة من جنوب أفريقيا كانوا يطبخون أطباقاً غنية بالكربوهيدرات والبروتين، وهي المكونات التي شكَّلت أساس نظامهم الغذائي، وهو ما يثبت بدوره أن البشر القدماء، حتى بعد تعلمهم للصيد وتحولهم إلى آكلي لحوم، لم يتخلوا يوماً عن طهي وتناول النباتات كجزء أساسي من غذائهم.

تحميل المزيد