الرياضة لم تعد مجرد مؤسسة اجتماعية للنشاط البدني والتربية، لكنها بشكلها الجديد صارت عنواناً على دخول مجتمع ما إلى عصر الجديد. لقد خلقت الرياضة في العشرية الأخيرة عشرات التجارب الناجحة لخروج أفراد من أوساط مُعدمة إلى أوساط أكثر ترفاً، فأصبحوا مترفين مادياً وجسدياً. هذا الخروج من الفقر للترف زرع بذرة الأمل في قلوب الكثير من شباب العرب.
أضحت الرياضة في قلب الجدل الحضاري والاجتماعي في العالم، فالجميع يسعى للخروج من الفقر للغنى ومن الغنى للثراء دون مراعاة للعواقب المترتبة أو مدى أخلاقية الوسائل. والبشر لا ذنب لهم في هذا، فهذه هي عيشة الرأسمالية وهذا هو مذهبها.
في هذا الصدد، تجسد رياضة كمال الأجسام الإطار الثقافي للرأسمالية، حيث البناء الجسدي للإغراء الجنسي أو بروز العضلات للترويج للشركات. إن روح وجوهر الرياضة حالياً مرتبطان بشكل مباشر مع الأيديولوجية الرأسمالية والنظام السياسي السائد في الدول. لكن النظم السياسية مهما اختلفت في طريقة تسيير شؤونها إلا أن اشتقاقها من نظامين هما الاشتراكي ورأسمالي. هذا الصراع السياسي بين النظامين انعكس على الرياضة، فأصبحت تعرف أنها عملية تنشئة للفرد في المجتمع تحت إطار النظام السائد داخل الدولة. قد يكون هذا البناء لغاية تعبدية للحروب كما في "إسبرطة" اليونانية قديماً، وقد يكون لشحن الطاقة الوطنية لخدمة الدولة والمجتمع كما في العالم العربي الديكتاتوري.
فبدلاً من أن تكون الرياضة مجالاً للترويح عن النفس والهروب من ضغط العمل، نجدها قد ارتبطت بالعناصر الأساسية للرأسمالية؛ الجشع والطمع والرغبة في تكوين الثروة، وكذلك الهوس بتحطيم الأرقام القياسية لكتابة التاريخ.
كبار الرياضيين أغنياء وصعدوا للقمة بفضل مجهودهم ومهاراتهم، ولكن طريق هؤلاء الأبطال للقمة مليء بالآلاف الذين لم ينجحوا في الوصول وانتهت بهم الرياضة في منتصف أعمارهم بدون عمل وبدون مؤهل جامعي. ناهيك عن أعداد الأطفال الذين حرموا من طفولتهم وتم تشويه أجسادهم للحصول على ميدالية تقودهم للشهرة والثراء وآخرين جنوا أجساداً مشوهة وأحلاماً مقبورة.
وتأكيداً على تغلغل رأسمالية الرياضية، نرى ازدياد تعاطي المنشطات في الأوساط الرياضية تحت ضغط تحقيق الأحلام الرياضية والمادية، بما للمنشطات من تأثير مدمر على الجسد.
من الزاوية الأخرى، نرى كرة القدم وقد ارتبطت بالمشاعر القومية وتتجاوز أحياناً الحدود الرياضية المؤطرة لها، والتاريخ يشهد على ذلك. ففي عام 1930 أجريت المباراة النهائية لكأس العالم بين الأوروغواي والأرجنتين فتشهد العاصمة مونتفيديو احتفالاً بفوزها بالبطولة، بينما مدن خصمها تشهد تعديات على قنصلية الخصم لتقطع العلاقات بين البلدين، ولا ننسى أحداث مباراة مصر والجزائر في 2009 في تصفيات كأس العالم؛ حيث امتدت لصراع بين الأشقاء.
في التقليد الاشتراكي، الرياضة مرتبطة بالإنتاج، إذ تمنح العامل إمكانيات بدنية بتجاوز من خلالها ذاته وهي إمكانيات لا يوفرها له النظام الرأسمالي. وتمثل الرياضة في المجتمع عنصراً لتوحيد وحوار مختلف الشرائح الاجتماعية والأعراق والأجناس، وذلك بفضل ما تتصف به الرياضة من حيوية وواقعية ومن قدرة على النشاط داخل مجالات الاجتماعية مختلفة.
ولهذا تنتقد الاشتراكية من منظور رأسمالية بأنها تعدم جوهر الرياضة ألا وهو المتعة والمنافسة الشريفة بعيدة عن كل الارتباطات، خصوصاً السياسية والاقتصادية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.