جدل التجنيس يتكرر في العراق.. مشروع قانون يثير القلق، فهل التركيبة السكانية فعلاً في خطر؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/03/29 الساعة 11:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/29 الساعة 11:46 بتوقيت غرينتش
كيف تحولت منح جوازات السفر لاستراتيجية ناجحة في عالم العقارات؟ /Istock

البعض يراه "تهديداً لتركيبة البلاد الديموغرافية" والبعض يراه "طمس للهوية العربية" هناك، فما قصة قانون التجنيس في العراق وهل هو خطر على التركيبة السكانية؟

والعراق يوجد به قانون لتنظيم منح الجنسية بالفعل، يرجع تاريخه إلى عام 2006، وينص في الفقرة الأولى ج من المادة 6 على أنه لوزير الداخلية أن يقبل تجنيس غير العراقي الذي "أقام في العراق بصورة مشروعة مدة لا تقل عن عشر سنوات متتالية سابقة على تقديم الطلب".

لكن مشروع قانون التجنيس الجديد يعطي المقيم لمدة عام واحد إمكانية الحصول على الجنسية، مما يعني تساهلاً في منحها، وهذا هو أبرز ما يتم تداوله من مخاوف، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

العراق.. قلق من قانون التجنيس

يخشى عراقيون أن تؤثر تعديلات القانون المرتقبة سلباً على تركيبة بلادهم الديموغرافية، ويطمس هويتها العربية، وخاصة في العاصمة بغداد؛ حيث يوجد مقيمون من جنسيات عديدة مهيأة لنيل الجنسية، بينهم أفغان وباكستانيون وإيرانيون.

وتنص الفقرة الثالثة من المادة 6 في القانون الحالي على أنه "لا تُمنح الجنسية العراقية لأغراض سياسة التوطين السكاني المخل بالتركيبة السكانية في العراق".

وفي مقابلة متلفزة مطلع مارس/آذار الجاري زادت من مخاوف عراقيين، قال خضير المرشدي عضو حزب البعث المنحل (الحاكم في عهد الرئيس الراحل صدام حسين): "الآن يناقشون قانون الجنسية (لم يوضح الجهة التي يقصدها)، وهو جريمة كبيرة بحق العراق".

وحذر المرشدي من تداعيات تطبيق التعديلات المرتقبة للقانون على "ملايين المقيمين في بلاده من الإيرانيين والأفغان والباكستانيين وجنسيات أخرى"، قائلاً إنه "إذا لم ينتبه العرب، فسيضيع العراق، لن يعود عربياً. وبعد 5 أو 10 سنوات قد تتحول بغداد إلى مدينة غير عربية".

صمت رسمي من الرئاسات الثلاث

ومقابل تحذير المرشدي ومخاوف متصاعدة بين عراقيين على وسائل التواصل الاجتماعي، تلتزم الرئاسات الثلاث في العراق، الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، والبرلمان برئاسة الحلبوسي، والجمهورية برئاسة عبداللطيف رشيد، الصمت إزاء احتمال وجود تحركات في الوقت الراهن لتمرير التعديلات المقترحة، والتي لم يتمكن البرلمان من تمريرها في 2019 جراء خلافات.

العراق
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني/الأناضول

وبينما يقول مؤيدو تعديل القانون إنه سيساعد الذين عانوا من التهجير القسري في عهد نظام صدام (1979-2003)، حذر سياسيان، في حديث مع الأناضول، من أنه يستهدف تغيير تركيبة العراق الديموغرافية ويهدد عروبته، ويخدم مصالح كل من إيران والولايات المتحدة.

جدير بالذكر هنا أن هذا القانون لمنح الجنسية كانت حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي قد سعت لتمريره منذ عام 2019، ثم تكرر الجدل بشأنه مرة أخرى عام 2021، والمخاوف منه تعتبر واحدة وهي تتعلق بالتغيير المرتقب للتركيبة السكانية في البلاد.

الفرات الأوسط

الكاتب والسياسي العراقي شاكر كتاب قال للأناضول إنه "بالنسبة للمنظومة الحاكمة، لا أعتقد أن هناك صعوبات أمام تعديل قانون منح الجنسية". واعتبر أن المنظومة الحاكمة "لم تعر القضية الوطنية وسلامة سيادة البلاد واستقلالها أي قدر من الاهتمام، وأهملت كثيراً من جوانب أساسية ومصيرية، واعتمدت مبدأ المحاصصة والسلاح وإفراغ العراق من أغلب القيم الجوهرية والمتعلقة بمفهوم الوطنية".

"لكنني أضع بعضاً من الأمل في موقف النواب المستقلين والكتل الأخرى، التي أتمنى أن يدفعها التزامها الوطني إلى رفض أي شطط في تعديل القانون"، بحسب شاكر، مضيفاً: "ولا ننسى أن جماهير شعبنا المتضررة جداً من سياسات المنظومة الحاكمة لن تقف متفرجة على التفريط بحقوق الوطن وسيادته".

"نتابع عملية استجلاب بشر من بلدان عديدة وتسكينهم في محافظات الفرات الأوسط (النجف وكربلاء والديوانية وبابل، والمثنى)، وربما من هناك إلى محافظات أخرى، بعد منحهم الجنسية العراقية. لا أظن أن هدفاً يختبئ وراء ذلك كله إلا التغيير الديمغرافي لسكان العراق ولأغراض خاصة ذات بعد استراتيجي"، لكن الكاتب العراقي لم يقدم تفاصيل تتعلق بذلك البعد الاستراتيجي.

تجنيس مقابل تهجير

"الغموض يكتنف مسار إصدار بعض القوانين السيادية والمؤثرة جداً في أساسيات الوضع العراقي"، وفق مكي النزال عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني العراقي، التي أُسست في 2019 وتضم جهات سياسية وحزبية.

وأضاف النزال للأناضول أن "من تلك القوانين قانون التجنيس، الذي عملت سلطات الاحتلال الأمريكي (2003-2011) على إصداره وتحويره تدريجياً ومعها الحكومات التابعة لها والخاضعة لتعليمات إيران في ذات الوقت".

"كلما صدرت نسخة جديدة من القانون بدأت حملات إعلامية ظاهرها مناقشة القانون وباطنها التمويه على بعض فقراته لغرض تمريره، بما يخدم مشاريع الدولتين المؤثرتين في العراق، وهما الولايات المتحدة وإيران"، بحسب النزال.

"لم يكن العراق يوماً دولة تجنيس، بل يتعب المواطن العراقي الأصيل وهو يحاول استصدار وثيقة تخص جنسيته مع أن كل وثائقه ووثائق أبيه وجده واضحة وموجودة في دوائر الأحوال المدنية والجنسية"، كما قال عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني.

إيران العراق
الرئيس العراقي خلال زيارته إلى إيران (أرشيف)/ رويترز

وأوضح النزال أنه "منذ 2003، بدأ حراك قانون الجنسية الذي يشكل مصدر رعب للعراقيين الخائفين من جلب مجموعات كبيرة من دول مثل إيران وأفغانستان لإحداث تغيير ديموغرافي تدريجي وقلب الموازين في بلد طالما حرص على نقاء أصول مواطنيه"، لافتاً إلى أن "أول تجنيس حصل في العراق كان عام 1924، وكان تثبيت جنسية وليس تجنيساً بالمعنى الدارج اليوم، فتم تسجيل كل مَن يسكن الرقعة الجغرافية التي حددها اتفاق سايكس بيكو (1916) مع مراعاة أصله العراقي".

"ومَن كان من أصول أعجمية، تمت الإشارة له على أنه متجنس من الدرجة الثانية، وبقي هذا التصنيف سائداً لقرابة ثمانين عاماً. لكن حين وقع احتلال أمريكا للعراق، صار التابعون لإيران هم المفضلين في قيادة البلد والذين يشرعون القوانين التي تخدم توجهاتهم الاستيطانية"، وفق تعبير النزال.

وواصل عضو اللجنة العليا للميثاق الوطني تفسيره لتاريخ منح الجنسية في العراق قائلاً: "في 1963 كان هناك تطوير جزئي في قانون التجنيس يخدم التوجه القومي للعراق، إلا أن التشدد في منح الجنسية بقي سائداً، ولم تُمنح الجنسية إلا لعدد قليل، وكذلك في القوانين اللاحقة في عامي 1975 و1980".

"أُلغيت كل تلك القوانين وأُحل محلها قانون 2006 الذي يمكن تفسيره حسب مصلحة المشروع الاستيطاني وتغييراته الديموغرافية الخطيرة على اللحمة العراقية التي استمرت آلاف السنين، والتي يراها المختصون مهددة بالتهتك بسبب هذه التغييرات الكبيرة المفتعلة في التركيبة السكانية"، كما أضاف النزال.

تهديد عروبة بغداد

يرى النزال أن "التجنيس الطائفي الحاصل يقابله مشروع هجرة ونزوح قسري لقرابة ثلث الشعب العراقي، وهناك آلاف العراقيين يسكنون الخيام؛ لأن السلطات تمنعهم من العودة لمدنهم".

ووفق المصدر نفسه، فإن "القوانين العراقية تبقى مثار جدل وشكوك ومخاوف ما دام الغموض يلفها وما دامت الفجوة على أقصى اتساع بين المواطن والنظام". ورأى أن "هذا القانون خطير جداً؛ لأن المسألة ليست في شخص جاء للتجنيس، وإنما كتل بشرية ستؤثر على عروبة بغداد بالتحديد".

العراق
البرلمان العراقي – رويترز

وبسؤاله عن إمكانية تمرير البرلمان لتعديلات القانون، أجاب: "البرلمان كما نعرفه سيمرر ما يُمرر إليه، فهو ليس حراً ليتخذ قرارات حرة، وستجد كثيراً من الفوضى والصراخ، ولكن بالنهاية سيمر ما تريده الولايات المتحدة وإيران".

وبشأن توقيت إعادة فتح ملف مشروع القانون، قال إن "هناك قوانين أخرى موازية لهذه المشاريع الخطيرة، فمن المهم معرفة أن هناك مشروعاً للتضييق على حرية التعبير، مما يجعلنا نصمت خائفين من القانون، لذا فسيمر دون تعسف".

أما بخصوص الفترة التي سيحتاجها لتمرير تعديلات القانون، رجح أنه "سيُمرر مع بعض التعديلات البسيطة (..) لا يمكن أن نعطي سقفاً زمنياً؛ لأنه فوضوي ومفتعل".

الخلاصة هنا هي أن تجدد الحديث عن احتمال تعديل القانون الخاص بمنح الجنسية في العراق قد أثار ردود أفعال واسعة، لاسيما على منصات التواصل الاجتماعي؛ لما اعتبره البعض "تهديداً لتركيبة البلاد الديموغرافية" ومحاولةً لـ"طمس هويتها العربية".

تحميل المزيد